حماية الإسلامية للأخلاق
هيَّأت تشريعات الإسلام الجوَّالمناسب اللحياة الأخلاقية الفاضلة ، بما شمله الإسلام من : ــ نظام اقتصادي كامل ، وسياسي محكم ، واجتماعي دقيق ، وبما تضمنه من حثٍّ متكرر على الإ لتزام بمكارم الأخلاق وحمايتها ، والتحذير من ذميم الأخلاق والتنفير منها ، وبما حواه من بيان لما يترتب على الأخلاق في الدنيا والآخرة بالنسبة للفرد والمجتمع من نتائج وآثار ، بالإضافة إلى كل ذلك فقد شرع الإسلام بعض العقوبات صيانة للأخلاق وحماية لها ، ومنها الآتي :
قال تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) 38/المائدة
وفي الحديث ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينارفصاعداً } رواه مسلم في كتاب الحدود باب حد السرقة ، والدينار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزن أربعة جرامات ، فذكر الإسلام عقوبة السرقة صريحة ومحددة لخطورتها ،ولأنها تتم في الخفاء فاحتاجت إلى هذا التشديد ، وترك الإسلام للحاكم تقدير عقوبة ما شابه السرقة كالاختلاس والغصب ، فمتى استكملت هذه الجريمة أركانها وشروطها فلا يجوز تعطيل تنفيذ الحد ولا استبداله بغيره من العقوبات مثل الحبس والغرامة المالية ، فقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً عندما تشفع أسامة بن زيد إليه في شأن المخزومية ـــ فاطمة بنت الأسود ـــ التي سرقة ، ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : {أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } رواه مسلم في كتاب الحدود ،
قال تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ )ـ 2/ النور
وهذا حد الزاني البالغ البكر ، والزانية البالغة البكر ،وثبت في السنة تغريب عام كامل ــ وفيه خلاف ـــ أما المحصن فعقابه الرجم حتى الموت سواءً كان ذكر أو أنثى ، في الحديث ، عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {البكر بالبكر جلد مئة ثم نفي سنة ، الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم بالحجارة } رواه مسلم وأصحاب السنن ،
قال تعالى (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ/165/ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ )166/الشعراء ، فأنزل الله سبحانه وتعالى عليهم العقوبة التي دمرتهم جميعاً ولم يبقى منهم أحد ، قال مجاهد وغيره بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح نشر جناحيه فانتسف بها أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها فضمها في جناحه وحواها وطواها ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض من كوسة فدمر بعضها بعضاً فجعل عاليها سافلها وأتبعها حجارة من سجيل ، وجاء في الحديث ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله علي وسلم ، قال : [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول فيه ] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب ،
قال تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ـ 4 ـ قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ـ 23ـ النور ، وعده الرسول صلى الله عليه وسلم ، من السبع الموبقات ، أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل يا رسول الله وما هن ؟ قال الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ] والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً ،
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ /178/ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )179/البقرة
ففي القصاص حياة عظيمة وبقاء للأنفس لأن القاتل إذا علم إنه سيقتل ارتدع ونزجر ورجع عن تنفيذ جريمته وبهذا يكون أحيا نفسه من جهه وأحيى من كان يود قتله من جهة أخرى ، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَ ن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة /32
وهكذا نرى أن عقوبة القاتل أفضع وأشد عقوبة وهي : خلود في جهنم وغضب من الله ولعنة وعذاب عظيم ، قال تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) النساء 93/ وفي الحديث ، عن البراء مرفوعاً بلفظ {لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق } رواه ابن ماجه في سننه كتاب الديات ،
قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة 33
ويدخل في مفهوم الحرابة العصابات المختلفة ، كعصابة القتل ، وعصابة الخطف ، وعصابة اللصوص والسطو على البيوت ، والبنوك ، وعصابات الاغتيالات ، وعصابات إتلاف الزروع والممتلكات ، وقتل المواشي ،
وكلمة الحرابة ، مأخوذة من الحرب ، لأن هذه الطائفة الخارجة على النظام تعتبر محاربة للجماعة من جانب ، ومحاربة للتعاليم الإسلامية التي جاءت لتحقيق أمن الجماعة وسلامتها والحفاظ على حقوقها من جانب آخر ، وكما يسمى هذا النوع من الخروج على الجماعة حرابة ، يسمى أ قطع طريق ، فالواجب على المسلم شرعاً أن لايستسلم لهؤلاء المفسدين بل يدافع عن نفسه وماله وعرضه بأنواع الوسائل والطرق وحسب المستطاع حتى لو وصل الأمر إلى قتل المعتدي ، وليعلم المدافع عن نفسه وماله وعرضه بأنه لو قتل فهو شهيد ،
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك ، قال أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله ، قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال :فأنت شهيد ، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار ،، رواه مسلم في كتاب الإيمان ،
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ /90/ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) 91/المائدة
وكلمة الخمر تشمل كل ما خامر العقل سواءً كان سائلاً أوجامداً وسواءً كان مما يشرب أو يؤكل فهي تشمل كل الأنواع التي تذهب العقل
عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا فاجلدوهم ، ثم إذا شربوا فاقتلوهم } رواه أبو داود في كتاب الحدود ، وعقوبة جريمة الخمر الجلد أربعين جلده ، وللحاكم أن يزيد إلى ثمانين جلده إذا رأى ذلك ، حتى يرتدع الشارب وينزجر ، وقد كان الأمر بالقتل في الرابعة في بداية التشريع ، ثم بعد ذلك نسخ القتل وبقي الجلد فقط ،ـــ انظر النووي على مسلم 5/218 / وسنن أبي داود 4/626ــ
قال تعالى (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل 106
وعقوبة المرتد عن الإسلام هي القتل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { لايحل دم أمريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، التارك لدينه المفارق للجماعة } رواه مسلم في كتاب القسامة باب ما يباح به دم المسلم ،
وقوله عليه الصلاة والسلام : { من بدل دينه فاقتلوه } رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين ـــــ ، ويستتاب المرتد قبل تنفيذ القتل ، لربما تكون لديه شبهه أو شكوك وعدم معرفه بالدين ، وقدر بعض العلماء قدر الاستتابه بثلاثة أيام ، وقال بعضهم يكرر عليه التوجيه ، ويعاود مع النقاش حتى يغلب على الظن أنه لن يعود إلى الإسلام ولو زاد ذلك الوقت على الثلاثة أيام ، وحينئذٍ يقام عليه الحد ،
هذه هي العقوبات التي شرعها الإسلام لحماية الأخلاق ، إن الإسلام ليس مولعاً بإقامة الحدود ، ولامتعطشاً إلى إراقة الدماء ولكن إقامة الحدود بهذه الصورة فيه صيانة لحياء المجتمع ، وحفاظاً لعفته ، وحماية لنقائه وطهارته وصفائه وقد أعطى الإسلام لولي الأمر الحق في سن بعض العقوبات الأخرى على المخالفات الأخلاقية وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي بالتعزير ، وجميع التشريعات الإسلامية وعقوباتها لا تتناقض ولا تتعارض مع الحرية الفردية أو الشخصية ،
ولكن اليوم كم ترتكب من جرائم بشعة باسم الحرية ، وكم من مآسٍ يندى لها الجبين ويتفطر لها القلب تحت غطاء اسم الحرية والديمقراطية ،
فنرى من تلك الأمور المؤسفة الآتي :
أـــ الطعن في عقائد الإسلام وتشريعاته وتنظيماته الإلهية / حرية فكر ،
ب ـــ النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتجريح علماء الإسلام / حرية رأي ،
ج ـــ ترويج المبادىء المنحرفة ، والمذاهب الهدامة / حرية نشر،
د ـــ إثارة الغرائز والفتن ، وقتل الفضائل / حرية عرض ،
فهل الحرية إذا هي التحرر والتحلل من كل المبادىء الإسلامية ، والتحلل من كل سلطان ، لتعم الفوضى والهمجية وألا مبالاة بالأخلاق والمبادىء الإنسانية ، فكلمة الحرية بهذا اللفظ لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبيوية المطهرة ، وإذا رجعنا إلى معاجم اللغة العربية لتعطينا تحديداً وبيانا لمعنى هذه اللفظة ،
نجد الفيروزبادي يقول : الحُر بالضم خلاف العبد ، وهي خيار كل شيء ، والفرس : العتيق ، ومن الطين والرمل : الطيب ، والحرية : الفعل الحسن ، والحُرَة بالضم : الكريمة ، وهي ضد الأمة ، ومن السحاب : كثير المطر ، والحرية : هي الأرض الطيبة ، الرملية ، ومن العرب : أشرفهم ،
فالحرية إذاً تعني : الخير ، والطيب ، والحسن ، والكرم ، والشرف ، والتقويم ، وطاعة الله ، ثم طاعة ولي الأمر في غير معصية الله ، وهكذا تكون الحرية ، فإذا خرجت عن هذا الإطار صارت تعني : الفوضى ، والإباحية ، والهدم ، والأنانية ، والظلال ، والفساد ، وبهذا يكون الإنسان خرج وحاد عن الطريق المستقيم والفضيلة ، وسلك الطريق المنحرف المؤدي إلى الرذيلة وسفاسف الأخلاق والعياذ بالله ، وهنا يبرز دور وأهمية كل وسائل الإعلام بجميع أنواعها ، وأن تسخر لحماية الأخلاق ونشر الفضيلة ، ومحاربة الرذيلة والفساد ، وأن يكون رقابتهم في ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا فهماً وعلماً يا أرحم الراحمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ،،،،