نعمْ .. أنا غزة هاشم .. ومن منكم لا يعرف هاشم بن عبد مناف ، جدَّ الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ؟
هاشم .. ذلك التاجر الصدوق الذي كان يمرُّ بي في رحلته للتجارة في الشام ، في ذهابه وإيابه ، فيقيم في خاناتي أياماً وليالي ، يكرم من يلقاه من أبنائي الأحرار الذين يستأهلون كلّ تكريم ، وقد مرض ذات ليلة وهو مقيم بين حناياي ، ثم توفي ، وهو في ريعان الشباب ، يا حسرة عليه .. كان ابن خمس وعشرين سنة وقد رثاه الشاعر الخزاعي بقصيدة جميلة ، أذكر لكم منها هذا البيت الجميل الذي يتحدث عن هاشم ، ويصفه بالندى ، أي الكرم :
مات (الندى) بالشام لمّا أن ثوى فيـه بغزّة هاشـم لا يبعـد
فأنا غزة هاشم ، فهل عرفتموني ؟
أنا من أقدم المدن المأهولة في العالم ، بناني العرب الكنعـانيـون
قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، وكنت عاصمة العرب الفلسطينيين ، وقد تعرضت لعدوان الغزاة خلال عمري المديد ، فقد غزاني فراعنة مصر ، واحتلوني ، وجعلوا مني إحدى قواعدهم العسكرية ، كما غزاني واحتلني الآشوريون ، والبابليون ، والفرس الذين أطلقوا عليّ اسم (هازاتو) ثم عاد إليَّ أبنائي العرب ، وحرروني من كل أولئك الغزاة ، وأسموني (غزة) التي تعني عندهم (القوي) فأنا قوية بموقعي الاستراتيجي بين مصر والشام والحجاز على ساحل البحر الأبيض الذي كان يوماً بحيرة عربية إسلامية .. كنت ملتقى القوافل العربية ، وأقام فيّ العديد من عرب اليمن ، حتى دُعيتُ (حمراء اليمن) نسبة إلى القبائل العربية الحميرية اليمنية .
وغزاني اليونانيون ، وبنوا فيّ جامعة لتخريج رجال العلم والفلسفة .
وغزاني الرومان ، وأكرموني ، وجعلوا مني مدينة عامرة مزدهرة ، وإني لأفخر بالقائد العربي الصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي حررني من سائر الغزاة الأجانب عام 634م ، وأعادني إلى أحضان العروبة الدافئ ، وأدخلني ضمن ديار الإسلام ، ومنذ ذلك التاريخ ، أصبحت غزة هاشم العربية المسلمة المجاهدة ، وسأبقى على الزمان ، مدينة الفداء والصمود ، والثغر المرابط في وجوه الغزاة من اليهود وسواهم من المحتلين .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
بناني أبنائي الكنعانيون العرب على تل العجول الذي يرتفع عن سطح البحر خمسة وأربعين متراً ، وبنوا حولي سوراً منيعاً يحميني من الغزاة الطامعين بي وبخيراتي الزراعية ، فالبساتين ، وبيارات البرتقال والليمون ، وكروم التين والعنب والنخيل والزيتون والتوت وسائر الحبوب والخضراوات ، تحيط بي ، وهي غنية بالفواكه والحبوب ، كالحنطة والشعير ، والذرة ، وسواها من الحبوب ، وتسقي بعضها عشرات الآبار الخاصة والعامة .
وقد كان أهلي يزرعون ثلاثة ملايين دونم من أراضيَّ مخصصة للحبوب فقط .
والحقّ ... إن خيراتي كثيرة ، فإلى جانب الخيرات الزراعية ، هناك السمك اللذيذ الذي يملأ بحري ، ويتميز أبنائي بصيده ، وعمل عدة مأكولات لذيذة منه .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كان الغزاة يطمعون بمينائي الجميل ، وبموقعي الاستراتيجي أيضاً ، تجارياً وعسكرياً .
ومنذ أن دخلت في الإسلام ، عمر أبنائي الكثير من المساجد ، فإلى جانب مسجد السيد هاشم ، هناك المسجد الكبير المسمى بجامع غزة الكبير ، وهو من المساجد الأثرية ، يتوسط المدينة القديمة ، وهو ذو هندسة بديعة ، وبناء ضخم ، يحتوي على عدة سلاسل من العقود الحجرية البديعة البناء والمنظر .
وهناك جامع ابن مروان في حي الدرج ، وجامع الشمعة في حي النجارين ، وجامع الشيخ عبد الله الأيكي في حي التفاح ، وجامع المحكمة البردكية
في حي الشجاعية ، وغيرها من المساجد الحديثة التي نهض أبنائي المسلمون المؤمنون المجاهدون ببنائها في السنوات الأخيرة .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
ولعلكم تذكرون ، أنني أنجبت الكثير من العلماء والأئمة العظام ، كالإمام الشافعي رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، فقد وُلد ونشأ في أحضاني ، وكان إماماً عظيماً ، وعندما ارتحل لطلب العلم ونشره في آفاق العالم الإسلامي ، بقي دائم الحنين إليَّ ، واسمعوا واقرؤوا هذين البيتين الجميلين لهذا الإمام الجليل :
وإني لمشتـاق إلـى أرض غـزة وإن خاننـي بعد التفـرّق كتمـاني
سقى الله أرضاً ، لو ظفرتُ بتُرْبها كحلتُ به ، من شدة الشوق ، أجفاني
وأنا الآن مدينتان ، كما يدعونني ، غزة القديمة بأحيائي القديمة التي تشمل جزءاً من حي الدرج ، وحي الزيتون ، وغزة الجديدة من ناحية الغرب ، أو منطقة حي الرمال . ولسوري عدة أبواب : باب عسقلان القديم ، وباب الخليل ، وباب المنظار ، وباب الحجر ، وباب الداردوم، وباب الميناء .
ولعلكم تعرفون أن الإنكليز الخبثاء الأعداء عندما احتلوني مع سائر المدن والقرى الفلسطينية عام 1917 أنشؤوا سكة حديدية ربطتني بلبنان شمالاً ، وبمدينة القنطرة المصرية جنوباً . كما أنشؤوا على أرضي مطاراً عام 1927 أسموه مطار غزة .
وأما أبنائي ، فيعمل قسم منهم في الزراعة ، وقسم في صيد الأسماك ، وقسم في التجارة ، وقسم في الصناعة التقليدية ، مثل صناعة الخزف،والبسط ، والعباءات المصنوعة من وبر الجمال ، ومثل صناعة نسيج الأقمشة الصوفية والحريرية والكتانية ، وصناعة السجاد والحصر على الأنوال اليدوية التي أمتلك منها الآلاف ، كما أمتلك مئات الأنوال الآلية . ويتقن أبنائي صباغة الأقمشة بألوانها الزاهية الجميلة .
بقي أن أقول لكم : كان يتبع لي عدد من البلدات والقرى الجميلة ، مثل خان يونس ، ودير البلح ، وبيت حانون ، وبيت لاهيا ، ورفح ، وجباليا ، وبرقة ، والمسمية ، وهوج ، وعراق المنشية ، وغيرها من القرى الجميلة التي دمرها اليهود ، مثل : برقة ، وبيت داراس ، وبربرة ، وأسدود ، والجورة ، ودير سنيد ، وسمسم ، والسوافير الشرقية ، والسوافير الشمالية ، وكوكبا ، وهوج ، وعراق سويدان ، والفالوجة .
لقد دمر اليهود مئات القرى في فلسطين عندما احتلوها ، وأقاموا كيانهم الصهيوني على أرضها ، فما أصاب بعض القرى التابعة لي ، أصاب مئات القرى الأخرى في فلسطين التي أضاعها العرب بخلافاتهم ، وتآمر بعضهم ، وخيانة آخرين منهم .. لقد تخلى العرب واقعياً عني وعن أخواتي الأسيرات المحتلات .. تخلوا عن القدس ، وعن حيفا ويافا وجنين ، وعن عين كارم وطولكرم ونابلس والخليل .. تخلوا عن فلسطين ، وتركوها لقمة سائغة لليهود الذين جاؤوا من أنحاء الأرض ، وطردوا أهلنا منها ، وذبحوا ، ودمروا ، والعرب بين عاجز ، ومتآمر خائن ، وكذلك كان أبناؤنا في فلسطين ، بين عاجز وخائن ومتآمر ، ولكن الله لم يدع العرب من أهل فلسطين وغير فلسطين على ما هم عليه ، فبعث الله نفراً من العرب ، جعلوا القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين ، واستنفروا العرب والمسلمين كافة للجهاد في فلسطين ، فهبت طائفة منهم مجاهدة ، تجاهد بما تملك من شبان وأموال ، وقدمت آلاف الأرواح الطاهرة فداء لفلسطين ، وما زال هؤلاء الأحرار المؤمنون الأطهار يجاهدون في سبيل الله ، من أجل إنقاذي وإنقاذ أخواتي من المدن والبلدات والقرى الفلسطينيات ، وسوف ينتصرون على اليهود وعملائهم من الفلسطينيين والعرب والعجم ، سوف يقهرون أعداء فلسطين الذين هم أعداء الله والإنسانية ، وسوف ينتصرون بإذن الله على اليهود وعملائهم ومسانديهم وأعوانهم في بلاد العرب والعجم .. في أوربا وأمريكا ، وقد بشركم وبشرنا بهذا النصر رسولنا القائد العظيم محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال :
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ... قالوا: يا رسول الله ! وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
أي في سائر بلاد الشام التي باركها الله تعالى .
سوف ينتصر أبنائي بعون الله تعالى ، برغم الظلام والظلمات التي تخيم على فلسطين .. على القدس وغزة ، وعلى الخليل وجنين ونابلس ، وعلى حيفا ويافا وأمّ الفحم .. سوف ينتصرون بإذن الله ، ويرغمون أنوف اليهود وعملائهم وأعوانهم ، وسوف يطهرون الأرض الفلسطينية العربية المسلمة من أرجاسهم ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
غزه
إسم يشع نورا وبهاء مدينة عشقها كل من سمع عنها وتعلق بها كل من سكنها غزّة سحر غريب متمثل في هذه المدينة .. و في بحرها الفريد رغم أنه جزء من بحر كبير يمتد بين القارات إلا أن لبحرها و نسماتها رائحة مميزة و عبق من ماض تليد و حب غريب لهذه المدينة التي ضربت بجذورها عمق التاريخ لتغرس حضارة وتميزا و جمالا جمالها ليس بحسن عمارة أو بنفيس بناء لكن جمالها بروحها المتألقة دائما و هوائها النقي رغم من يحاول أن يلوثه غزة تربة خصبة لكل شاعر رسام متأمل يعجز اللسان عن وصفها ووصف حب أهلها لها و تتناثر الأحرف خجلا أمام سحره الغريب وابتسامتها الدائمة التي تخفف عن من يسكنها آلاما ومشقة و عناء الأيام و تمسح الدموع بنسيمها الذي يداعب كل من فيها بحنان الأم على ابنها
و تبقى غزة تحتضن أهلها كمدينة متميزة فسلمت يا غزّة
من الشمال ، ومن الشرق ، ومن الجنوب .
أمّا الجهة الغربية ، فالبحر الذي أقوم على شاطئه الرملي الجميل .. إنه بحر الشام .. البحر الأبيض المتوسط ..
فأنا من بنات الشام .. ويصفونني بعروس البحر .
أجدادي العرب الكنعانيون هم الذين أسموني بهذا الاسم الجميل ، لأني أقوم على السهل الساحلي البديع المسمى بسهل (سارونا) الخصيب الذي يرويه نهر العوجا ، ونهر (روبين) الذي تأتي مياهه من الأمطار المتساقطة على جبال القدس الشريف .
و(يافي) في لغة أولئك الأجداد ، تعني (الجميلة) .
فأنا عروس الساحل الفلسطيني ، وأنا جميلة ..
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كنت موطناً لأولئك الأجداد العظام ، قبل أن يغزو اليهود أمي فلسطين بأكثر من ألف وخمس مئة سنة . فعمري الآن حوالي أربعة آلاف وخمسين سنة .
ولأني مدينة جميلة ، وعبير أزهار البرتقال والليمون تنعش الأنوف والنفوس من مسافات بعيدة ، ولأني أقوم في مكان مهم ، تعرّضتُ لغزوات وغزاة قساة ، وبقيت فترة من الزمن أعاني من الصليبيين المحتلين ، حتى جاء البطل العظيم (الظاهر بيبرس) فحررني من براثن الصليبيين المتوحشين ، فاستعدت حريتي وعافيتي ، إلى أن سقطت أسيرة لدى حثالات البشر ، اليهود ، في شهر نيسان عام النكبة 1948 .
المجرم نابليون بونابرت اجتاحني عام 1799 وذبح أكثر من ستة آلاف من أولادي ، وتركهم عرضة للسباع تنهش لحومهم ، فتلوث الجوّ ، وانتشر وباء الطاعون في عساكر نابليون ، فانسحب نابليون يجرّ أذيال الخيبة والجريمة .
هناك ثلاثة خطوط حديدية تربطني بأخواتي .. كان أول خط حديدي ذلك الذي يربطني بالقدس ، مروراً باللد وبيت دجن ، منذ عام 1889 . وثاني خط هو الذي يربطني برفح في الجنوب ، ماراً باللد والرملة وغزة . وثالث سكة حديدية ، تلك التي تصلني بسورية الشمالية ، مارّة ببيسان ، فالعفولة ، ثمّ طبريا .
وهناك طريق بريّ اسمه طريق يافا ، يمرّ بالقدس الأسير ، ثم بالرملة ، فاللطرون ، فأبوغوس ، وهذا الطريق هام جداً ، فهو يربط شمال فلسطين بجنوبها ، كما يربط ما بين لبنان ومصر .
وإذا سألت عن أحيائي وحاراتي ، فهي كثيرة ومشهورة ، منها : أحياء العجمي ، والمنشية ، والجبلة ، والنزهة ، والعراقية ، والسبيل ، وحيّ المدفع ، وحيّ النقيب ، وحيّ الطالبية ، وغيرها من الحارات.
أما القرى المحيطة بي ، فكثيرة وجميلة ، بل هي رائعة الجمال ، ولا يشوّه جمالها سوى قطعان اليهود والمرتزقة المستوطنين ، والمستعمرات التي كانت بداية التشوهات المقرفة في كل الأرض الفلسطينية .
أذكر لكم من هذه القرى الجميلة الحزينة : بيت دجن ، والسافرية ، ويازور ، والسلمة ، والشيخ مونس ، والمسعودية ، والعباسية ، وغيرها ... وكلها تئنّ تحت وطأة الاستعمار اليهودي – الصليبي – الاستيطاني الهمجيّ المتوحش .
أمّا مساجدي ، فحدّث عن أحزانها وآلامها ولا حرج ..
أذكر لكم منها : المسجد الكبير ، وجامع حسن بك ، وجامع الطالبية ، وجامع الشيخ رسلان ، وجامع أبو منون وغيرها ، وغيرها .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كثير من أبنائي يعملون في بيّاراتهم البديعة ، وبعضهم يعمل في صناعة المراكب ، وصيد السمك ، والغزل ، والنسيج ، وتعليب الفاكهة ، وصناعة الزجاج ، والأواني الخزفية .
ومطبخي يتميز بأكلات شعبية رائعة ، تكاد تأكل أصابعك معها ، أو بعدها ، مثل أكلة الصيّادية المعمولة من الأرز مع السمك ، ومعها الفطائر الحلوة ، والمفتول .
هذه أنا يافا عروس الساحل الفلسطيني الجميلة ، التي تمزج مياه البحر بدموعها ، وتكتب تاريخ أسرها ومعاناتها بدموع عينيها ، منتظرة الفرج من ربّ العباد القوي الجبار ، والفرج قريب قريب بعون الله العظيم .
هاشم .. ذلك التاجر الصدوق الذي كان يمرُّ بي في رحلته للتجارة في الشام ، في ذهابه وإيابه ، فيقيم في خاناتي أياماً وليالي ، يكرم من يلقاه من أبنائي الأحرار الذين يستأهلون كلّ تكريم ، وقد مرض ذات ليلة وهو مقيم بين حناياي ، ثم توفي ، وهو في ريعان الشباب ، يا حسرة عليه .. كان ابن خمس وعشرين سنة وقد رثاه الشاعر الخزاعي بقصيدة جميلة ، أذكر لكم منها هذا البيت الجميل الذي يتحدث عن هاشم ، ويصفه بالندى ، أي الكرم :
مات (الندى) بالشام لمّا أن ثوى فيـه بغزّة هاشـم لا يبعـد
فأنا غزة هاشم ، فهل عرفتموني ؟
أنا من أقدم المدن المأهولة في العالم ، بناني العرب الكنعـانيـون
قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة ، وكنت عاصمة العرب الفلسطينيين ، وقد تعرضت لعدوان الغزاة خلال عمري المديد ، فقد غزاني فراعنة مصر ، واحتلوني ، وجعلوا مني إحدى قواعدهم العسكرية ، كما غزاني واحتلني الآشوريون ، والبابليون ، والفرس الذين أطلقوا عليّ اسم (هازاتو) ثم عاد إليَّ أبنائي العرب ، وحرروني من كل أولئك الغزاة ، وأسموني (غزة) التي تعني عندهم (القوي) فأنا قوية بموقعي الاستراتيجي بين مصر والشام والحجاز على ساحل البحر الأبيض الذي كان يوماً بحيرة عربية إسلامية .. كنت ملتقى القوافل العربية ، وأقام فيّ العديد من عرب اليمن ، حتى دُعيتُ (حمراء اليمن) نسبة إلى القبائل العربية الحميرية اليمنية .
وغزاني اليونانيون ، وبنوا فيّ جامعة لتخريج رجال العلم والفلسفة .
وغزاني الرومان ، وأكرموني ، وجعلوا مني مدينة عامرة مزدهرة ، وإني لأفخر بالقائد العربي الصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي حررني من سائر الغزاة الأجانب عام 634م ، وأعادني إلى أحضان العروبة الدافئ ، وأدخلني ضمن ديار الإسلام ، ومنذ ذلك التاريخ ، أصبحت غزة هاشم العربية المسلمة المجاهدة ، وسأبقى على الزمان ، مدينة الفداء والصمود ، والثغر المرابط في وجوه الغزاة من اليهود وسواهم من المحتلين .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
بناني أبنائي الكنعانيون العرب على تل العجول الذي يرتفع عن سطح البحر خمسة وأربعين متراً ، وبنوا حولي سوراً منيعاً يحميني من الغزاة الطامعين بي وبخيراتي الزراعية ، فالبساتين ، وبيارات البرتقال والليمون ، وكروم التين والعنب والنخيل والزيتون والتوت وسائر الحبوب والخضراوات ، تحيط بي ، وهي غنية بالفواكه والحبوب ، كالحنطة والشعير ، والذرة ، وسواها من الحبوب ، وتسقي بعضها عشرات الآبار الخاصة والعامة .
وقد كان أهلي يزرعون ثلاثة ملايين دونم من أراضيَّ مخصصة للحبوب فقط .
والحقّ ... إن خيراتي كثيرة ، فإلى جانب الخيرات الزراعية ، هناك السمك اللذيذ الذي يملأ بحري ، ويتميز أبنائي بصيده ، وعمل عدة مأكولات لذيذة منه .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كان الغزاة يطمعون بمينائي الجميل ، وبموقعي الاستراتيجي أيضاً ، تجارياً وعسكرياً .
ومنذ أن دخلت في الإسلام ، عمر أبنائي الكثير من المساجد ، فإلى جانب مسجد السيد هاشم ، هناك المسجد الكبير المسمى بجامع غزة الكبير ، وهو من المساجد الأثرية ، يتوسط المدينة القديمة ، وهو ذو هندسة بديعة ، وبناء ضخم ، يحتوي على عدة سلاسل من العقود الحجرية البديعة البناء والمنظر .
وهناك جامع ابن مروان في حي الدرج ، وجامع الشمعة في حي النجارين ، وجامع الشيخ عبد الله الأيكي في حي التفاح ، وجامع المحكمة البردكية
في حي الشجاعية ، وغيرها من المساجد الحديثة التي نهض أبنائي المسلمون المؤمنون المجاهدون ببنائها في السنوات الأخيرة .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
ولعلكم تذكرون ، أنني أنجبت الكثير من العلماء والأئمة العظام ، كالإمام الشافعي رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، فقد وُلد ونشأ في أحضاني ، وكان إماماً عظيماً ، وعندما ارتحل لطلب العلم ونشره في آفاق العالم الإسلامي ، بقي دائم الحنين إليَّ ، واسمعوا واقرؤوا هذين البيتين الجميلين لهذا الإمام الجليل :
وإني لمشتـاق إلـى أرض غـزة وإن خاننـي بعد التفـرّق كتمـاني
سقى الله أرضاً ، لو ظفرتُ بتُرْبها كحلتُ به ، من شدة الشوق ، أجفاني
وأنا الآن مدينتان ، كما يدعونني ، غزة القديمة بأحيائي القديمة التي تشمل جزءاً من حي الدرج ، وحي الزيتون ، وغزة الجديدة من ناحية الغرب ، أو منطقة حي الرمال . ولسوري عدة أبواب : باب عسقلان القديم ، وباب الخليل ، وباب المنظار ، وباب الحجر ، وباب الداردوم، وباب الميناء .
ولعلكم تعرفون أن الإنكليز الخبثاء الأعداء عندما احتلوني مع سائر المدن والقرى الفلسطينية عام 1917 أنشؤوا سكة حديدية ربطتني بلبنان شمالاً ، وبمدينة القنطرة المصرية جنوباً . كما أنشؤوا على أرضي مطاراً عام 1927 أسموه مطار غزة .
وأما أبنائي ، فيعمل قسم منهم في الزراعة ، وقسم في صيد الأسماك ، وقسم في التجارة ، وقسم في الصناعة التقليدية ، مثل صناعة الخزف،والبسط ، والعباءات المصنوعة من وبر الجمال ، ومثل صناعة نسيج الأقمشة الصوفية والحريرية والكتانية ، وصناعة السجاد والحصر على الأنوال اليدوية التي أمتلك منها الآلاف ، كما أمتلك مئات الأنوال الآلية . ويتقن أبنائي صباغة الأقمشة بألوانها الزاهية الجميلة .
بقي أن أقول لكم : كان يتبع لي عدد من البلدات والقرى الجميلة ، مثل خان يونس ، ودير البلح ، وبيت حانون ، وبيت لاهيا ، ورفح ، وجباليا ، وبرقة ، والمسمية ، وهوج ، وعراق المنشية ، وغيرها من القرى الجميلة التي دمرها اليهود ، مثل : برقة ، وبيت داراس ، وبربرة ، وأسدود ، والجورة ، ودير سنيد ، وسمسم ، والسوافير الشرقية ، والسوافير الشمالية ، وكوكبا ، وهوج ، وعراق سويدان ، والفالوجة .
لقد دمر اليهود مئات القرى في فلسطين عندما احتلوها ، وأقاموا كيانهم الصهيوني على أرضها ، فما أصاب بعض القرى التابعة لي ، أصاب مئات القرى الأخرى في فلسطين التي أضاعها العرب بخلافاتهم ، وتآمر بعضهم ، وخيانة آخرين منهم .. لقد تخلى العرب واقعياً عني وعن أخواتي الأسيرات المحتلات .. تخلوا عن القدس ، وعن حيفا ويافا وجنين ، وعن عين كارم وطولكرم ونابلس والخليل .. تخلوا عن فلسطين ، وتركوها لقمة سائغة لليهود الذين جاؤوا من أنحاء الأرض ، وطردوا أهلنا منها ، وذبحوا ، ودمروا ، والعرب بين عاجز ، ومتآمر خائن ، وكذلك كان أبناؤنا في فلسطين ، بين عاجز وخائن ومتآمر ، ولكن الله لم يدع العرب من أهل فلسطين وغير فلسطين على ما هم عليه ، فبعث الله نفراً من العرب ، جعلوا القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين ، واستنفروا العرب والمسلمين كافة للجهاد في فلسطين ، فهبت طائفة منهم مجاهدة ، تجاهد بما تملك من شبان وأموال ، وقدمت آلاف الأرواح الطاهرة فداء لفلسطين ، وما زال هؤلاء الأحرار المؤمنون الأطهار يجاهدون في سبيل الله ، من أجل إنقاذي وإنقاذ أخواتي من المدن والبلدات والقرى الفلسطينيات ، وسوف ينتصرون على اليهود وعملائهم من الفلسطينيين والعرب والعجم ، سوف يقهرون أعداء فلسطين الذين هم أعداء الله والإنسانية ، وسوف ينتصرون بإذن الله على اليهود وعملائهم ومسانديهم وأعوانهم في بلاد العرب والعجم .. في أوربا وأمريكا ، وقد بشركم وبشرنا بهذا النصر رسولنا القائد العظيم محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال :
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ... قالوا: يا رسول الله ! وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"
أي في سائر بلاد الشام التي باركها الله تعالى .
سوف ينتصر أبنائي بعون الله تعالى ، برغم الظلام والظلمات التي تخيم على فلسطين .. على القدس وغزة ، وعلى الخليل وجنين ونابلس ، وعلى حيفا ويافا وأمّ الفحم .. سوف ينتصرون بإذن الله ، ويرغمون أنوف اليهود وعملائهم وأعوانهم ، وسوف يطهرون الأرض الفلسطينية العربية المسلمة من أرجاسهم ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
غزه
إسم يشع نورا وبهاء مدينة عشقها كل من سمع عنها وتعلق بها كل من سكنها غزّة سحر غريب متمثل في هذه المدينة .. و في بحرها الفريد رغم أنه جزء من بحر كبير يمتد بين القارات إلا أن لبحرها و نسماتها رائحة مميزة و عبق من ماض تليد و حب غريب لهذه المدينة التي ضربت بجذورها عمق التاريخ لتغرس حضارة وتميزا و جمالا جمالها ليس بحسن عمارة أو بنفيس بناء لكن جمالها بروحها المتألقة دائما و هوائها النقي رغم من يحاول أن يلوثه غزة تربة خصبة لكل شاعر رسام متأمل يعجز اللسان عن وصفها ووصف حب أهلها لها و تتناثر الأحرف خجلا أمام سحره الغريب وابتسامتها الدائمة التي تخفف عن من يسكنها آلاما ومشقة و عناء الأيام و تمسح الدموع بنسيمها الذي يداعب كل من فيها بحنان الأم على ابنها
و تبقى غزة تحتضن أهلها كمدينة متميزة فسلمت يا غزّة
من الشمال ، ومن الشرق ، ومن الجنوب .
أمّا الجهة الغربية ، فالبحر الذي أقوم على شاطئه الرملي الجميل .. إنه بحر الشام .. البحر الأبيض المتوسط ..
فأنا من بنات الشام .. ويصفونني بعروس البحر .
أجدادي العرب الكنعانيون هم الذين أسموني بهذا الاسم الجميل ، لأني أقوم على السهل الساحلي البديع المسمى بسهل (سارونا) الخصيب الذي يرويه نهر العوجا ، ونهر (روبين) الذي تأتي مياهه من الأمطار المتساقطة على جبال القدس الشريف .
و(يافي) في لغة أولئك الأجداد ، تعني (الجميلة) .
فأنا عروس الساحل الفلسطيني ، وأنا جميلة ..
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كنت موطناً لأولئك الأجداد العظام ، قبل أن يغزو اليهود أمي فلسطين بأكثر من ألف وخمس مئة سنة . فعمري الآن حوالي أربعة آلاف وخمسين سنة .
ولأني مدينة جميلة ، وعبير أزهار البرتقال والليمون تنعش الأنوف والنفوس من مسافات بعيدة ، ولأني أقوم في مكان مهم ، تعرّضتُ لغزوات وغزاة قساة ، وبقيت فترة من الزمن أعاني من الصليبيين المحتلين ، حتى جاء البطل العظيم (الظاهر بيبرس) فحررني من براثن الصليبيين المتوحشين ، فاستعدت حريتي وعافيتي ، إلى أن سقطت أسيرة لدى حثالات البشر ، اليهود ، في شهر نيسان عام النكبة 1948 .
المجرم نابليون بونابرت اجتاحني عام 1799 وذبح أكثر من ستة آلاف من أولادي ، وتركهم عرضة للسباع تنهش لحومهم ، فتلوث الجوّ ، وانتشر وباء الطاعون في عساكر نابليون ، فانسحب نابليون يجرّ أذيال الخيبة والجريمة .
هناك ثلاثة خطوط حديدية تربطني بأخواتي .. كان أول خط حديدي ذلك الذي يربطني بالقدس ، مروراً باللد وبيت دجن ، منذ عام 1889 . وثاني خط هو الذي يربطني برفح في الجنوب ، ماراً باللد والرملة وغزة . وثالث سكة حديدية ، تلك التي تصلني بسورية الشمالية ، مارّة ببيسان ، فالعفولة ، ثمّ طبريا .
وهناك طريق بريّ اسمه طريق يافا ، يمرّ بالقدس الأسير ، ثم بالرملة ، فاللطرون ، فأبوغوس ، وهذا الطريق هام جداً ، فهو يربط شمال فلسطين بجنوبها ، كما يربط ما بين لبنان ومصر .
وإذا سألت عن أحيائي وحاراتي ، فهي كثيرة ومشهورة ، منها : أحياء العجمي ، والمنشية ، والجبلة ، والنزهة ، والعراقية ، والسبيل ، وحيّ المدفع ، وحيّ النقيب ، وحيّ الطالبية ، وغيرها من الحارات.
أما القرى المحيطة بي ، فكثيرة وجميلة ، بل هي رائعة الجمال ، ولا يشوّه جمالها سوى قطعان اليهود والمرتزقة المستوطنين ، والمستعمرات التي كانت بداية التشوهات المقرفة في كل الأرض الفلسطينية .
أذكر لكم من هذه القرى الجميلة الحزينة : بيت دجن ، والسافرية ، ويازور ، والسلمة ، والشيخ مونس ، والمسعودية ، والعباسية ، وغيرها ... وكلها تئنّ تحت وطأة الاستعمار اليهودي – الصليبي – الاستيطاني الهمجيّ المتوحش .
أمّا مساجدي ، فحدّث عن أحزانها وآلامها ولا حرج ..
أذكر لكم منها : المسجد الكبير ، وجامع حسن بك ، وجامع الطالبية ، وجامع الشيخ رسلان ، وجامع أبو منون وغيرها ، وغيرها .
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
كثير من أبنائي يعملون في بيّاراتهم البديعة ، وبعضهم يعمل في صناعة المراكب ، وصيد السمك ، والغزل ، والنسيج ، وتعليب الفاكهة ، وصناعة الزجاج ، والأواني الخزفية .
ومطبخي يتميز بأكلات شعبية رائعة ، تكاد تأكل أصابعك معها ، أو بعدها ، مثل أكلة الصيّادية المعمولة من الأرز مع السمك ، ومعها الفطائر الحلوة ، والمفتول .
هذه أنا يافا عروس الساحل الفلسطيني الجميلة ، التي تمزج مياه البحر بدموعها ، وتكتب تاريخ أسرها ومعاناتها بدموع عينيها ، منتظرة الفرج من ربّ العباد القوي الجبار ، والفرج قريب قريب بعون الله العظيم .